وقف «ميتا» لبرنامج تقصي الأخبار.. دعم لحرية التعبير أم بيئة حاضنة للأخبار المضللة؟

قبل أيام من تنصيب ترامب رئيساً للولايات المتحدة

وقف «ميتا» لبرنامج تقصي الأخبار.. دعم لحرية التعبير أم بيئة حاضنة للأخبار المضللة؟
شركة ميتا- أرشيف

استجابة لتغييرات فرضتها الانتخابات الأمريكية التي أسفرت عن فوز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة، قررت المجموعة الأمريكية العملاقة "ميتا" المالكة لمنصات تواصل اجتماعي كبرى مثل "فيسبوك" و"إنستغرام" و"واتس آب" إنهاء سياسة التقييد على المحتوى السياسي وقضايا المجتمع، ما أثار تساؤلات بشأن تأثيراتها على المجتمعات العربية التي تضررت، لا سيما منذ اندلاع حرب غزة في أكتوبر 2023.

وركزت القيود التي بدأت في عام 2021، على الحد من المحتوى السياسي على منصاتها، بهدف تقليل الاستقطابات والانحيازات لتفاعل أكثر ترفيهاً وأقل إثارة للخلافات، ما أدى إلى انتقادات واسعة، قبل أن يُعلَن إلغاؤه قرب استعداد الولايات المتحدة لتنصيب دونالد ترامب رسميا رئيسا في 20 يناير الجاري. 

وأوقفت شركة "ميتا" المالكة لمنصات التواصل الاجتماعي الكبرى، برنامج تقصي صحة الأخبار في الولايات المتحدة، بإشارات تحمل استجابة لمطالب أمريكية دون أي إشارة للرفض العربي المتصاعد منذ حرب غزة ضد المجموعة الأمريكية العملاقة.

وطالما انتقد الجمهوريون، بمن فيهم ترامب، شركة "ميتا" متهمين إياها بالتحيز ضد التيار المحافظ في الولايات المتحدة، إذ أشار محللون إلى أن هذه الخطوات قد تكون محاولة من الشركة لاسترضاء الأوساط السياسية المحافظة، خاصة بعد أن علقت حساب ترامب على "فيسبوك" عقب أحداث اقتحام الكابيتول في 6 يناير 2021، قبل أن يعاد تفعيله في مطلع 2023.

تبرير رفع الحظر

وفي منشور على شبكات التواصل الاجتماعي، قال رئيس المجموعة مارك زوكربرغ، إن "الشركة ستستبدل بالمدققين في صحة الأخبار ملاحظات المجتمع، مستندة إلى نظام مشابه لما تطبقه منصة (إكس)".

وأضاف أن المدققين كانوا متحيزين سياسيا، ما أدى إلى إضعاف ثقة المستخدمين في المنصة بدلا من تعزيزها، مشيرا إلى أن الانتخابات الرئاسية الأخيرة في الولايات المتحدة شكلت نقطة تحول ثقافية، ما جعل حرية التعبير أولوية جديدة على منصات الشركة.

وأشار زوكربرغ، في فيديو إلى أن هذا التغيير سيكون له ثمن، حيث قد يشهد انتشار المزيد من المحتوى الذي وصفه بـ"السيئ" على منصات ميتا، مؤكدا أن القرار يأتي في إطار سعي الشركة لاستعادة حرية التعبير على منصاتها.

وقال إن "ميتا ستركز على القضايا الأكثر خطورة، مثل الإرهاب والاحتيال ومواد الاستغلال الجنسي للأطفال، وستتجنب مراقبة المواضيع السياسية المثيرة للجدل مثل الهجرة أو الهوية الجنسية".

وبينما رحب إيلون ماسك، مالك منصة "إكس"، بالقرار عبر حسابه، قائلا: "هذا تطور إيجابي سيساهم في تعزيز حرية التعبير"، حذر راس بيرلي، المؤسس المشارك لمركز مرونة المعلومات، من أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى زيادة انتشار المحتوى المضلل.

وقال بيرلي في بيان: "بينما تعتبر حماية حرية التعبير أمرا ضروريا، فإن التراجع عن برامج تقصي الأخبار دون بديل موثوق يفتح الباب أمام مشكلات أكبر". بحسب ما أوردته وسائل إعلام غربية.

انتقادات سابقة

وأعلنت شركة “ميتا” في فبراير 2024، أنها لم تعد توصي بمحتوى يتعلق بالسياسة والقضايا الاجتماعية على منصتي التواصل الاجتماعي "إنستغرام" و"ثردز"، اللتين لهما ملايين المستخدمين حول العالم.

وفي أبريل 2024، وقّع المئات من صناع المحتوى السياسي والإخباري والعديد من النشطاء والصحفيين، رسالة مفتوحة إلى شركة "ميتا" يطلبون منها التراجع عن قرارها بالحد من الوصول للحسابات التي تنشر "محتوى سياسيا"، وطالبوا أن يتم منح المستخدمين الفرصة "للمشاركة في تحديد مثل هذه القيود بدلا من تغيير الإعدادات الافتراضية لجميع الحسابات، بهدف تقييد المحتوى السياسي.

وعربيا، حذفت منصة "فيسبوك" في 14 أكتوبر 2023 صفحة شبكة "القدس الإخبارية"، وهي أكبر صفحة إخبارية فلسطينية وتضم 10 ملايين متابع، باللغتين العربية والإنجليزية.

وقالت الشبكة الفلسطينية في بيان لها آنذاك، إن "حذف صفحات شبكة قدس هو انحياز تام من قبل شركة ميتا لطلبات الحكومة الإسرائيلية، وكتم لحرية الرأي والتعبير، واستهداف للحق الفلسطيني في نقل أخباره وتغطيته الأحداث للعالم".

وفي 28 أكتوبر 2023، حجبت شركة "ميتا" حسابا باسم "عين على فلسطين" الذي يتابعه أكثر من 6 ملايين، على منصة إنستغرام، وأرجعت الشبكة في بيان آنذاك أسباب ذلك إلى "وجود كثير من التبليغات ضدها، بينما قالت الشركة إن "تلك الخطوة حدثت لأسباب أمنية في إطار مواجهة محاولة اختراق".

وفي 15 مارس 2024، علقت شركة "ميتا" صفحة المصور الفلسطيني معتز عزايزة بفيسبوك، التي تضم أكثر من 18 مليون متابع، مع تحول صوره لأيقونة لنشر جرائم إسرائيل ضد غزة، وأوضحت الشركة عبر إشعار أن الحظر سيكون مؤقتًا مع إمكانية الحظر بشكل دائم.

وبحسب بيانات المرصد الفلسطيني لانتهاكات الحقوق الرقمية الفلسطينية (غير حكومي) ارتكبت منصات التواصل 4 آلاف و747 انتهاكا في الفترة بين 7 أكتوبر 2023 و16 يناير 2024، منها 1924 إزالة وتقييدا لـ2811 محتوى اعتبرته ضارا، و12 انتهاكا يعكس تمييزا بين المنصات الرقمية.

ووفق تقرير مركز صدى سوشال الفلسطيني المعني بالحقوق الرقمية، بعنوان "أكتوبر 2023: الفضاء الرقمي.. تلفيق وتحريض لإبادة الفلسطينيين"، هناك أكثر من 11 ألف انتهاك رقمي للمحتوى الفلسطيني على منصات التواصل الاجتماعي منذ بدء العدوان على قطاع غزة وحتى 1 نوفمبر 2023.

ورصد المركز خلال الفترة ذاتها، أكثر من 20 ألف محتوى تحريضي يشمل مصطلحات وعبارات تحريض على الفلسطينيين، وصورًا ومقاطع فيديو، وأكثر من 270 رسالة تهديد إلى الفلسطينيين عبر تطبيقات المحادثة ورسائل SMS. 

وأوضح المركز أنه تلقى شكاوى خطيرة تتمثل في انتهاك شركة ميتا لخصوصية المستخدمين عبر تطبيق المحادثات الخاصة (ماسنجر وواتساب) من خلال تفعيل نظام الخوارزميات على ماسنجر وحجب تمكين المستخدمين من إرسال رسائل معينة. 

سلاح ذو حدين 

وقال الباحث في سياسات منصات التواصل الاجتماعي، إياد الرفاعي، إن "ميتا استوعبت متأخرة أنها فضاء عام ووسيط أساسي للتواصل البشري، وأنها لا تستطيع أن تستثني مجالات معينة خارج التداول والنقاش، عبر قرارها الأخير بتقليل المحتوى السياسي الذي اتخذته المنصة عام 2021 لتقليل المحتوى السياسي والإبقاء على منصة التواصل الاجتماعي للترفيه".

وأضاف الرفاعي في تصريح لـ"جسور بوست": "أثبت هذا النموذج الذي بدأته ميتا في 2021 فشله لأن المجتمعات البشرية تود مناقشة كثير من القضايا السياسية والاجتماعية التي كانت سياسات ميتا تحد منها بطريقة سلبية".

ووصف اتجاه منصة "ميتا" الجديد بأنه في "الاتجاه الصحيح ولكن يجب أن يكون هناك رقابة من مؤسسات المجتمع المدني لكيفية وآلية تطبيق تلك السياسات الجديدة ومراقبة هل هناك توازن بين ما يطبق في الغرب والعالم العربي".

ووفق الرفاعي، فإنه "ربما من المبكر قياس تأثير تلك السياسات عربيا لكن التجربة أقرب برهانا وستظهر في الأيام القادمة ملاحظات حول هذا القرار الجديد ومدى تأثر المحتوى العربي بهذه السياسات والتغيرات الجديدة".

واستدرك، قائلا: "سيكون الأمر سلاحا ذا حدين فهو من جانب يبدو أنه يعطي مساحة أكبر للتعبير عن الرأي ومن جانب آخر هناك تخوفات في أن يساهم في زيادة الأخبار المضللة والشائعات بشكل عام، وميتا كان دورها في مكافحة الأخبار المضللة والشائعات ليس دورا كبيرا جدا تحديدا على المستوى العربي".

وأضاف الرفاعي: "لذلك نأمل في أن يشكل هذا الإجراء الجديد انعكاسا إيجابيا بشكل أكبر على حرية الرأي والتعبير، وأيضا يجب أن يكون هناك تعاون مع عدد الشركاء المحليين عربيا لضبط موضوع الأخبار المضللة".

وأعرب عن أمله أن "تنعكس هذه الإجراءات الجديدة من ميتا إيجابيا على المحتوى الفلسطيني وتعطي للرواية والسردية الفلسطينية مساحة للتعبير عن آراء الفلسطينيين وتوجهاتهم، في ظل حرب الإبادة المتواصلة منذ قرابة العام ونصف العام".

قرار يدعم حرية الرأي

ومن جانبه، قال الحقوقي السوداني الفائز بجائزة سخاروف لحرية الفكر، صالح عثمان، إنه "يجب أن نتفق أن حرية التعبير عن الرأي من أهم مطالب حقوق الإنسان، مؤكدا أن هذا القرار مهم جدا لدعم حرية الرأي في العالم". 

وشدد عثمان في تصريح لـ"جسور بوست" على أن ما يثار عن مخاوف من الأخبار المضللة والشائعات عبر ميتا يمكن مواجهته بزيادة السيطرة بتطبيق القانون، ولكن دون منع حرية التعبير والحصول على المعلومات.

ومضى قائلا: "رفع الحظر سيزيد الوعي السياسي والحقوقي للطبقات المتضررة بشكل أكبر من عدم إمكانية التعبير عن الحقوق الاجتماعية والسياسية، خاصة وأن المنطقة العربية لا تشهد دعم حرية الرأي والتعبير بالشكل المطلوب وتفتقر الكثير مما هو مطلوب".



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية